فصل: قال صاحب التفسير الواضح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: أغرم السارق ما سرق.
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق: لا يجمع بين القطع والغرم، فإن غرم فلا قطع، وإن قطع فلا غرم.
وقال مالك رحمه لله: يقطع بكل حال، وأما الغرم فليزمه إن كان غنيًا، ولا يلزمه إن كان فقيرًا.
حجة الشافعي رحمه الله أن الآية دلت على أن السرقة توجب القطع، وقوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» يوجب الضمان، وقد اجتمع الأمران في هذه السرقة فوجب أن يجب القطع والضمان، فلو ادعى مدع أن الجمع ممتنع كان ذلك معارضة، وعليه الدليل، على أنا نقول: إن حد الله لا يمنع حق العباد، بدليل أنه يجتمع الجزاء والقيمة في الصيد المملوك، وبدليل أنه لو كان المسروق باقيًا وجب رده بالإجماع، ويدل عليه أيضًا أن المسروق كان باقيًا على ملك المالك إلى وقت قطع يد السارق بالاتفاق، فعند حصول القطع إما أن يحصل الملك فيه مقتصرًا على وقت القطع، أو مسندًا إلى أول زمان السرقة، والأول: لا يقول به الخصم، والثاني: يقتضي أن يقال: إنه حدث الملك فيه من وقت القطع في الزمان الذي كان سابقًا على ذلك الوقت، وهذا يقتضي وقوع الفعل في الزمان الماضي.
وهذا محال.
حجة أبي حنيفة رحمه الله أنه تعالى حكم بكون هذا القطع جزاء، والجزاء هو الكافي، فدل ذلك على أن هذا القطع كاف في جناية السرقة، وإذا كان كافيًا وجب أن لا يضم الغرم إليه.
والجواب: لو كان الأمر كما قلتم لوجب أن لا يلزم رد المسروق عند كونه قائمًا، والله أعلم بالصواب. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: السيد يملك إقامة الحد على المماليك.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يملك.
حجة الشافعي أن قوله: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} عام في حق الكل، لأن هذا الخطاب ليس فيه ما يدل على كونه مخصوصًا بالبعض دون البعض، ولما عم الكل دخل فيه المولى أيضًا، ترك العمل به في حق غير الإمام والمولى، فوجب أن يبقى معمولًا به في حق الإمام والمولى. اهـ.
قال الفخر:
احتج المتكلمون بهذه الآية في أنه يجب على الأمة أن ينصبوا لأنفسهم إمامًا معينًا والدليل عليه أنه تعالى أوجب بهذه الآية إقامة الحد على السراق والزناة، فلابد من شخص يكون مخاطبًا بهذا الخطاب، وأجمعت الأمة على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الجناة، بل أجمعوا على أنه لا يجوز إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا للإمام، فلما كان هذا التكليف تكليفًا جازمًا ولا يمكن الخروج عن عهدة هذا التكليف إلا عند وجود الإمام، وما لا يتأتى الواجب إلا به، وكان مقدورًا للمكلف، فهو واجب، فلزم القطع بوجوب نصب الإمام حينئذٍ. اهـ.
قال الفخر:
قال المعتزلة: قوله: {نكالا مّنَ الله} يدل على أنه إنما أقيم عليه هذا الحد على سبيل الاستخفاف والإهانة، وإذا كان الأمر كذلك لزم القطع بكونه مستحقًا للاستخفاف والذم والإهانة، ومتى كان لأمر كذلك امتنع أن يقال: إنه بقي مستحقًا للمدح والتعظيم، لأنهما ضدان والجمع بينهما محال، وذلك يدل على أن عقاب الكبير يحبط ثواب الطاعات.
واعلم أنا قد ذكرنا الدلائل الكثيرة في بطلان القول بالإحباط في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] فلا نعيدها ههنا.
ثم الجواب عن كلام المعتزلة أنا أجمعنا على أن كون الحد واقعًا على سبيل التنكيل مشروط بعدم التوبة، فبتقدير أن يدل دليل على حصول العفو من الله تعالى لزم القطع بأن إقامة الحد لا تكون أيضًا على سبيل التنكيل، بل تكون على سبيل الامتحان، لكنا ذكرنا الدلائل الكثيرة على العفو. اهـ.
قال الفخر:
قالت المعتزلة: قوله: {جَزَاء بِمَا كَسَبَا نكالا مّنَ الله} يدل على تعليل أحكام الله، فإن الباء في قوله: {بِمَا كَسَبَا} صريح في أن القطع إنما وجب معللًا بالسرقة.
وجوابه ما ذكرناه في هذه السورة في قوله: {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: 32]. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {جَزَاء بِمَا كَسَبَا} قال الزجاج: جزاء نصب لأنه مفعول له، والتقدير فاقطعوهم لجزاء فعلهم، وكذلك {نكالا مّنَ الله} فإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دلّ عليه {فاقطعوا} والتقدير: جازوهم ونكلوا بهم جزاء بما كسبا نكالًا من الله.
أما قوله: {والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ} فالمعنى: عزيز في انتقامه، حكيم في شرائعه وتكاليفه.
قال الأصمعي كنت أقرأ سورة المائدة ومعي أعرابي، فقرأت هذه الآية فقلت {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سهوًا، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ فقلت كلام الله.
قال أعد، فأعدت: والله غفورٌ رحيم، ثم تنبهت فقلت {والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ} فقال: الآن أصبت، فقلت كيف عرفت؟ قال: يا هذا عزيزٌ حكيم فأمر بالقطع فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع. اهـ.

.قال صاحب التفسير الواضح:

يرى البعض أن في هذا القطع لليد شدة وغلظة وأن هذه شريعة الغاب والقفار، لا شريعة الحضارة والمدنية.
ولقد كذبوا فها هي ذي قوانينهم تحمى الرذيلة في كل ميادينها، وتساعد على ارتكابها والمفروض أن الحدود موانع وزواجر، ولا مانع أحكم وأعدل من حدود اللّه، أما ترى الدول التي تحكم بكتاب اللّه كيف استتب فيها الأمن واختفت منها السرقات ولكن أكثر الناس لا يعلمون!!. اهـ.

.قال في البحر المديد:

كما أمر الحق جل جلاله بقطع سارق الأموال، أمر بقطع سارق القلوب، وهو الشيطان، وجنوده؛ الخواطر الردية؛ فإن القلب بيت كنز السر أي: سر الربوبية لأن القلب بيت الرب، والبصيرة حارسة له، فإذا طرقه الشيطان بجنوده، فإن وجد البصيرة متيقظة دفعته وأحرقته بأنوار ذكرها، وأن وجدها نائمة؛ فإن كان نومها خفيفًا اختلس منها وفطنت له، وإن كان نومها ثقيلًا؛ بتراكم الغفلات، خرب البيت ولم تفطن له، فيسكن فيه بجنوده الخواطر وهي نائمة. فالواجب على الإنسان حفظ قلبه، قبل أن يسكنه الشيطان، فيصعب دفعه، وحفظه بدوام ذكر الله القلبي، فإن لم يستطع فبدوام اللسان، فإن لم يستطع فبالنية الصالحة. وربنا المستعان. اهـ.

.قال الصابوني:

حد السرقة وقطع الطريق:

.التحليل اللفظي:

{يُحَارِبُونَ}: المحاربة من الحرب ضد السلم، والأصل في معنى كلمة الحرب التعدي وسلب المال، والمراد بها في الآية محاربة أولياء الله وأولياء رسوله.
{فَسَادًا}: الفساد ضد الصلاح، وكل ما يخرج عن وضعه الذي يكون به صالحًا نافعًا يقال إنه فسد، والمراد بالإفساد في الأرض إخافة السبيل، والقتل والجراح وسلب الأموال.
{يقتلوا}: التقتيل: المبالغة في القتل بحيث يكون حتمًا لا هوادة فيه ولا عفو من ولي الدم.
{يصلبوا}: التصليب: المبالغة في الصلب، أو تكرار الصلب كما قال الشافعي، ومعنى الصلب أن يُربط على خشبة منتصب القامة، ممدود اليدين، وربما طعنوه ليعجلوا قتله.
{مِّنْ خِلافٍ}: معنى تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أن تقطع اليد اليمنى وتقطع الرجل اليسرى بالعكس.
{يُنفَوْاْ}: النفي أصله الإهلاك، ومنه النّفاية لرديء المتاع، والنفي من الأرض هو النفي من بلد إلى بلد، لا يزال يطلب وهو هارب فزعًا، وقيل: المراد بالنفي الحبسُ.
{خِزْيٌ}: الخزي الذي والفضيحة يقال أخزاه الله أي فضحه وأذلّه.
{الوسيلة}: كل ما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي.
{نَكَالًا}: أي عقوبة قال في «المصباح»: نكل به ينكل من باب قتل نكلة قبيحة أصابه بنازلة، ونكّل به بالتشديد مبالغة، والاسم النَّكال.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: لا جزاء للمفسرين في الأرض إلاّ القتل، والصلب، وقطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض عقوبة لهم وخزيًا، ذلك العذاب المذكور هو المعجّل لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم هو عذاب النار، إلاّ الذين تابوا من قطاع الطريق من قبل أن تتمكنوا منهم فاعلموا أنه غفور رحيم يغفر الذنب ويرحم العبد.
ثم أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه سبحانه، والتقرب إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، والجهاد في سبيله لإعلاء دينه ليفوزا بالدرجات الرفيعة، ويكونوا من السعداء المفلحين.
ثم أخبر تعالى أن الذين كفروا بآياته ورسله لو أنّ لأحدهم ملك الدنيا بأجمعه وأضعافه معه، ثم أراد أن يقدمه فداءً وعوضًا ليخلّص نفسه من عذاب الله، ما تقبلّه الله منه، لأن الله تعالى حكم بالخلود في عذاب جهنم على كل كافر، وأن هؤلاء يتمنون أن يخرجوا من النار، ولكن لا سبيل لهم إلى النجاة بوجه من الوجوه، فهم في عذاب مستمر دائم. ثم ذكر تعالى عقاب كل من السارق والسارقة، وأمر بقطع أيمانهما عند توفر الشروط، وبيّن أن تلك العقوبة جزاء ما كسباه من السرقة، عقوبة من الله لهما لإقدامهما على هذه الجريمة المنكرة، وليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس حتى يرتدع أهل البغي والفساد، ويأمن الناس على أموالهم وأرواحهم، وهذا التشريع هو تشريع العزيز في سلطانه الحكيم في أمره ونهيه، الذي لا تخفى عليه مصالح العباد، ومن ضمن حكمته أن يعفو عمن تاب وأناب، وأصلح عمله، وسلك طريق الأخيار.
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهتدى} [طه: 82].

.سبب النزول:

روي أن ناسًا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا فصحوا، وارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمّر أعينهم، وألقاهم بالحرة حتى ماتوا فنزلت هذه الآية {إِنَّمَا جَزَاءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ...} الآية.